أقسام الموقع

‏إظهار الرسائل ذات التسميات مقالات شرعية. إظهار كافة الرسائل
‏إظهار الرسائل ذات التسميات مقالات شرعية. إظهار كافة الرسائل

استجيبوا لله وللرسول

0

الحمد لله وكفى، والصلاة والسلام على النبي المصطفى، وآله المستكملين الشرف، وبعد:
فنعيش معًا في رحاب آية كريمة من آيات كتاب ربِّنا جل جلاله، نأخذ منها فوائد؛ علَّنا ننتفع بها.
قال الله تعالى: ﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اسْتَجِيبُوا لِلَّهِ وَلِلرَّسُولِ إِذَا دَعَاكُمْ لِمَا يُحْيِيكُمْ وَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ يَحُولُ بَيْنَ الْمَرْءِ وَقَلْبِهِ وَأَنَّهُ إِلَيْهِ تُحْشَرُونَ [الأنفال: 24].

يؤخذ من هذه الآية عدة أمور:
1- أهمية السُّنة، وأن أمر النبي صلى الله عليه وسلم من عين أمر الله:
قال شيخ الإسلام ابن تيمية - طيَّب الله ثراه -: "... وأن لزومَ السنة يحفظ من شرِّ النفس والشيطان بدون الطرق المبتدعة؛ فإن أصحابَها لا بد أن يقعوا في الآصار والأغلال، وإن كانوا متأوِّلين فلا بد لهم من اتباع الهوى؛ ولهذا سُمِّي أصحاب البدع أصحابَ الأهواء؛ فإن طريق السنة علم وعدل وهدى، وفي البدعة جهل وظلم، وفيها اتباع الظن وما تهوى الأنفس"[1].

وقال الإمام القيِّم ابن القيم رحمه الله"فإن السنة حِصنُ الله الحصين، الذي مَن دخَلَه كان من الآمنين، وبابُه الأعظمُ الذي مَن دخله كان إليه من الواصلين، تقومُ بأهلها وإن قعدَتْ بهم أعمالُهم، ويسعى نورها بين أيديهم إذا طفئت لأهل البدع والنفاق أنوارُهم، وأهل السنة: هم المبيضَّةُ وجوهُهم إذا اسودَّت وجوهُ أهل البدعة، قال الله تعالى: ﴿ يَوْمَ تَبْيَضُّ وُجُوهٌ وَتَسْوَدُّ وُجُوهٌ ﴾ [آل عمران: 106]، قال ابن عباس: تبيضُّ وجوهُ أهل السنة والائتلاف، وتسوَدُّ وجوهُ أهل البدعة والتفرق.

وهي الحياة والنور اللَّذان بهما سعادة العبد، وهُداه، وفوزُه؛ قال جل وعلا: ﴿ أَوَمَنْ كَانَ مَيْتًا فَأَحْيَيْنَاهُ وَجَعَلْنَا لَهُ نُورًا يَمْشِي بِهِ فِي النَّاسِ كَمَنْ مَثَلُهُ فِي الظُّلُمَاتِ لَيْسَ بِخَارِجٍ مِنْهَا ... [الأنعام: 122]"[2].

"كان الزهري يقول: كان علماؤنا يقولون: الاعتصام بالسنة هو النجاة.
وقال مالكالسنةُ سفينةُ نوح، مَن رَكِبَها نجا، ومن تخلَّف عنها غرق، وذلك أن السنة والشريعةَ والمنهاج: هو الصراط المستقيم الذي يوصل العباد إلى الله.

والرسولهو الدليل الهادي الخِرِّيتُ[3] في هذا الصراط، كما قال تعالى: ﴿ إِنَّا أَرْسَلْنَاكَ شَاهِدًا وَمُبَشِّرًا وَنَذِيرًا * وَدَاعِيًا إِلَى اللَّهِ بِإِذْنِهِ وَسِرَاجًا مُنِيرًا ﴾ [الأحزاب: 46]، وقال تعالى: ﴿ وَإِنَّكَ لَتَهْدِي إِلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ * صِرَاطِ اللَّهِ الَّذِي لَهُ مَا فِي السَّمَوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ أَلَا إِلَى اللَّهِ تَصِيرُ الْأُمُورُ ﴾ [الشورى: 52، 53]، وقال تعالى: ﴿ وَأَنَّ هَذَا صِرَاطِي مُسْتَقِيمًا فَاتَّبِعُوهُ وَلَا تَتَّبِعُوا السُّبُلَ فَتَفَرَّقَ بِكُمْ عَنْ سَبِيلِهِ ﴾ [الأنعام: 153]، وقال عبدالله بن مسعود: خطَّ رسول الله صلى الله عليه وسلم خطًّا، وخطَّ خطوطًا عن يمينه وشماله، ثم قال: ((هذا سبيلُ الله، وهذه سبلٌ، على كلِّ سبيل منها شيطان يدعو إليه))[4]"[5].

وروى الإمام أحمد في مسنده من حديث المقدام بن معدي كَرِب أنه قالحرَّم رسول الله صلى الله عليه وسلم يوم خيبر أشياءَ، ثم قال((يُوشِك أحدكم أن يكذِّبني وهو متكئ على أريكته، يُحدِّث بحديثي، فيقول: بيننا وبينكم كتاب الله، فما وجدنا فيه من حلال استحللناه، وما وجدنا فيه من حرام حرمناه، ألَا وإن ما حرَّم رسولُ الله صلى الله عليه وسلم مِثل ما حرَّم الله)).

2- أن في الاستجابة لأمر الله حياة للروح:
فالحياة كل الحياة في الاستجابة لأمر الله وأمر نبيِّه صلى الله عليه وسلم، فالاستجابة لشرع الله حياة، وفي الطاعة حياة، وفي الجهاد حياة، وفي نصرة المظلوم حياة.

﴿ إِذَا دَعَاكُمْ لِمَا يُحْيِيكُمْ "إن رسولَ الله صلى الله عليه وسلم إنما يدعوهم إلى ما يُحيِيهم، إنها دعوةٌ إلى الحياة بكل صور الحياة، وبكل معاني الحياة.

إنه يدعوهم إلى عقيدة تحيي القلوب والعقول، وتطلقها من أوهاق[6] الجهل والخرافة، ومن ضغط الوَهم والأسطورة، ومن الخضوع المُذلِّ للأسباب الظاهرة، والحتميات القاهرة، ومن العبوديَّة لغير الله، والمذلَّة للعبد أو للشهوات ...

ويدعوهم إلى شريعةٍ من عند الله تُعلِنُ تحرُّرَ الإنسان، وتكريمه بصدورها عن الله وحده، ووقوف البشر كلِّهم صفًّا متساوين في مواجهتها، لا يتحكَّمُ فرد في شعب، ولا طبقةٌ في أمَّة، ولا جنس في جنس، ولا قوم في قوم، ولكنهم ينطلقون كلهم أحرارًا متساوين في ظل شريعةٍ صاحبُها الله ربُّ العباد"[7].

3- التحذير من مغبة عدم الاستجابة لأمر الله وأمر نبيه صلى الله عليه وسلم:
فذلك سبب في أن يحول الله بين العبد وقلبه فلا يستطيع أن يعود، ولا أن يرجع عن غيه؛ فيطبع على قلبه - نسأل الله العافية.

قال ابن القيم رحمه الله في قوله تعالى: ﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اسْتَجِيبُوا لِلَّهِ وَلِلرَّسُولِ إِذَا دَعَاكُمْ لِمَا يُحْيِيكُمْ وَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ يَحُولُ بَيْنَ الْمَرْءِ وَقَلْبِهِ وَأَنَّهُ إِلَيْهِ تُحْشَرُونَ ﴾ [الأنفال: 24]: "فأمرهم بالاستجابةِ له ولرسولِه حين يدعوهم إلى ما فيه حياتهم، ثم حذَّرهم من التخلُّف والتأخُّر عن الاستجابة، الذي يكون سببًا لأَنْ يَحُولَ بينهم وبين قلوبهم، قال تعالى: ﴿ فَلَمَّا زَاغُوا أَزَاغَ اللَّهُ قُلُوبَهُمْ وَاللَّهُ لَا يَهْدِي الْقَوْمَ الْفَاسِقِينَ ﴾ [الصف: 5]، وقال تعالى: ﴿ كَلَّا بَلْ رَانَ عَلَى قُلُوبِهِمْ مَا كَانُوا يَكْسِبُونَ ﴾ [المطففين: 14]، فأخبر سبحانه أن كَسْبَهم غطَّى على قلوبهم، وحال بينها وبينَ الإيمان بآياته"[8].

4- ثم تذكير بيوم الميعاد والحشر:
فكلُّ إنسان إلى الله راجع ومحشور إليه، وواقف بين يديه، وسيحاسبه الله على القليل والكثير، والنَّقير والقِطمير.



[1] شيخ الإسلام ابن تيمية: (الزهد والورع والعبادة) (1/ 9).
[2] ابن القيم: (اجتماع الجيوش الإسلامية) (2/ 38).
[3] والخِرِّيتُ، كسكِّيت: الدليل الحاذق؛ انظر: " تاج العروس من جواهر القاموس": باب "خرت" (4/ 507).
[4] رواه أحمد في مسنده (7/ 208)، والنسائي في السنن (المعروف بالسنن الكبرى) (13/ 136).
[5] مجموع الفتاوى (4/ 57).
[6] الوَهَق: بفتحتَيْنِ حبل يُلْقَى في عُنُقِ الشخص يؤخذُ به؛ انظر: (المصباح المنير في غريب الشرح الكبير) (2/ 674)؛ للفيومي.
[7] (في ظلال القرآن)؛ لـ أ. سيد قطب، (3/ 1494).
[8] الفوائد؛ لابن القيم (1/ 141).

أخي المبتلى .. اللَّهُ لَطِيفٌ بِعِبَادِهِ

0


إن الحمد لله نحمده، ونستعينُه ونستغفره، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا، وسيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضلَّ له، ومن يضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله وأشهد أن محمدًا عبده ورسوله، وبعد:

أخي المُبتَلى، أهمس في أذنيك بحبٍّ:
اصبِر، واسأل اللهَ مِن فضله، وارضَ بقضائه وقدره، واعلم أنه لن يصيبك إلا ما كتبه الله عليك؛ قال جلَّ شأنه: ﴿ قُلْ لَنْ يُصِيبَنَا إِلَّا مَا كَتَبَ اللَّهُ لَنَا هُوَ مَوْلَانَا وَعَلَى اللَّهِ فَلْيَتَوَكَّلِ الْمُؤْمِنُونَ ﴾ [التوبة: 51]، واعلم أن قضاء الله كله لك خير؛ فالله أرحم بعباده من الأم بولدها، روى البخاري ومسلم من حديث عمر بن الخطاب أنه قال: قَدِم على النبي صلى الله عليه وسلم سَبْيٌ، فإذا امرأة من السَّبْيِ تحلب ثديَها تسقي، إذ وجدت صبيًّا في السَّبْيِ أخذتْه، فألصقتْه ببطنها وأرضعتْه، فقال لنا النبي صلى الله عليه وسلم: ((أترون هذه طارحةً ولدها في النار؟)) قلنا: لا، وهي تقدر على أن لا تطرحَه، فقال: ((لَلَّهُ أرحمُ بعباده من هذه بولدها)).

وعن ثعلبةَ البصري قال: قال لنا أنس بن مالك: لأحدثنَّكم بحديث لا يُحدِّثُكم به أحد بعدي: كنا عند رسول الله صلى الله عليه وسلم جلوسًا فضحك، وقال: ((أتدرون مم ضحكتُ؟)) قالوا: الله ورسوله أعلم، قال: ((عجبتُ للمؤمن! إن الله - تبارك وتعالى - لا يقضي له قضاءً إلا كان خيرًا له)).

ويروى عن علي رضي الله عنه أنه قال:

فكم للهِ من لطفٍ خفيٍّ = يَدقُّ خفاه عن فهمِ الذكيِّ  

وكم يسرٍ أتى من بعد عسر = ففرَّجَ كربَةَ القلبِ الشجيِّ  

وكم أمرٍ تُساءُ به صباحًا  = وتأتيك المَسرَّةُ في العَشيِّ  

إذا ضاقت بك الأحوال يومًا  = فثِقْ بالواحدِ الفردِ العليِّ  

ولا تجزَعْ إذا ما ناب خَطْبٌ  = فكم لله من لطفٍ خفيِّ


فيا من ابتُليت في ولدك أو نفسك أو مالك أو زوجك، اعلم أن الله ما ابتلاك ليعذبك، وإنما ابتلاك ليمحِّصك؛ فاثبت وارضَ، واعلم أنه حكيم في قضائه، رحيم بعباده، واعلم أنه ما ابتلاك إلا لأنه أراد بك الخير كما عند البخاري وغيره قال صلى الله عليه وسلم: ((مَنْ يُرِدِ اللَّهُ بِهِ خَيْرًا يُصِبْ مِنْهُ)).

عليك أخي المبتلى برفع أكف الضراعة إلى الله؛ فهو وحده من يُجيب المضطر، ويكشف الضر؛ ﴿ أَمَّنْ يُجِيبُ الْمُضْطَرَّ إِذَا دَعَاهُ وَيَكْشِفُ السُّوءَ ﴾ [النمل: 62]، من الذي يفزعُ إليه المكروبُ، ويستغيثُ به المنكوب، وتصمدُ إليه الكائناتُ، وتسأله المخلوقاتُ، وتلهجُ بذكرِه الألسُنُ، وتُؤَلِّهُه القلوب؟ إنه اللهُ لا إله إلاَّ هو.



ضاقت، ولما استحكمَت حلقاتها = فُرِجتْ، وكنتُ أظنُّها لا تُفرَج!  


فصبرًا أخي صبرًا؛ ﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اصْبِرُوا وَصَابِرُوا وَرَابِطُوا وَاتَّقُوا اللَّهَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ ﴾ [آل عمران: 200].


بحث هذه المدونة الإلكترونية

أرشيف المدونة الإلكترونية

يتم التشغيل بواسطة Blogger.

الزوار الكرام

خدمة التدقيق اللغوي من منصة استكتب

مركز الأندلس للخدمات اللغوية والتعليمية

القدس

القدس

خدمة التدقيق اللغوي من خمسات

بحث هذه المدونة الإلكترونية

أقسام المدونة

Translate

اختر اللغة

جميع الحقوق محفوظه © أحمد بن سعيد

تصميم الورشه